حكم تحية المسجد بقلم أحمد إسكينيد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ،،،
فقد إتفق جمهور العلماء على أن تحية المسجد من السنن المندوب إليها وليست واجبة.
قال إبن حجر "اتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب" [فتح الباري (1/537) ] .
وقال ابن دقيق العيد "وجمهور العلماء على عدم الوجوب لهما" [إحكام الأحكام (2/467) ] .
وقال النووي "إنه إجماع المسلمين" [شرح مسلم (5/233) ] .
ولكن نقل الإجماع فيه نظر، فقد نقفل ابن بطال عن أهل الظاهر قولهم بالوجوب [ شرح ابن بطال على صحيح البخاري (2/93) ] .
وحكى ذلك القاضي عياض عن داود وأصحابه ...[شرح القاضي عياض على صحيح مسلم (3/49) ] .
والذي صرح به ابن حزم خلافه [المحلى (2/231) ] .
فصل :أدلة الجمهور في عدم الوجوب:
1. حديث عبد الله بن بسر  قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي e يخطب. فقال له رسول الله e"اجلس فقد آذيت" ..وفي رواية.. "وآنيت" [ أخرجه أبو داود (3/467)،والنسائي (3/103)، وأحمد (4/188). وصححه ابن خزيمة (3/156) ] .
ووجه الدلالة: أن الرسول e أمره بالجلوس ولم يأمره بتحية المسجد فدلّ على أنها غير واجبة.
2. حديث أنس بن مالك في قصة الأعرابي، وهو ضمام ابن ثعلبة لما سأل رسول الله e عما يجب عليه من الصلاة فأجابهe "الصلوات الخمس"فقال: هل علي غيرها؟ قال "لا، إلا أن تطوّع" [ أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11)] .
فصل في أدله من قال بالوجوب:
1. حديث أبي قتادة المذكور، وقد ورد بلفظ الأمر "فليركع ركعتين" وبلفظ النهي "فلا يجلس"، والأمر عند الإطلاق للوجوب، والنهي عند الإطلاق للتحريم؛ وحديث أنس في قصة الأعرابي لا يصلح أن يكون صارفاً ....
2.حديث جابر قال:دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله e يخطب فقال:"أصليت؟"قال:لا قال"فصلّ ركعتين". والرجل هو: سليك الغطفاني، كما وقع مسمى عند مسلم ...[ أخرجه البخاري (930)، ومسلم (875) ] .
ووجه الدلالة: إن الرسول e أمر سليكاً بتحية المسجد بعدما جلس، وقطع الخطبة لأجل سؤاله وأمره بالصلاة. وهذا من مؤكدات الإيجاب. ولو سقطت التحية في حال لكان هذا الحال أولى بها؛ فإنه مأمور باستماع الخطبة، فلما ترك لها استماع الخطبة دل على تأكدها.
فصل : رد من قال بالوجوب على أدلة من قال بعدم الوجوب :
1. أما حديث "اجلس فقد آذيت" فلا دلالة فيه صريحة على عدم الوجوب؛ لاحتمال أن المراد "اجلس" أي: لا تتخط. ولم يقصد ترك التحية، أو أن المراد: اجلس بشرط الجلوس المفهوم من قوله "فال يجلس حتى يصلي ركعتين"، ولاحتمال أن يكون هذا الصحابي صلّى التحية في جانب من المسجد قبل وقوع التخطي منه، أو أنه كان ذلك قبل الأمر بها والنهي عن تركها، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، لاسيما والحديث معارض بمثل حديث جابر في قصة سليك وحديث أبي قتادة، ودلالتهما أصرح... [انظر فتح الباري (2/409) ] .
2. وأما حديث أنس في قصة الأعرابي فعنه ثلاثة أجوبة:
أولاً :إن التعاليم الواقعة في مبادئ الشريعة لا تصلح لصرف ما تجدد من الأوامر عن الوجوب؛ لأن الشريعة كانت شيئاً فشيئاً وغلا لزم على ذلك أن واجبات الشريعة هي ما ذكر في حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة من حصراً باعتبار وقت السؤال، ولم يقل: إنه لا يجب عليه ما يوجبه الله على عباده بعد ذلك، بل ما أجبه الله وجب. ولا ريب أن واجبات الشريعة قد بلغت أضعاف أضعاف تلك الأمور.
ثانياً :إن قوله: "إلا أن تطوع" ينفي وجوب الواجبات ابتداء لا الواجبات بأسباب يختار المكلف فعلها، كتحية المسجد مثلاً.
ثالثاً :إن جماعة من المتمسكين بحديث ضمام بن ثعلبة في صرف الأمر عن الوجوب في حديث أبي قتادة قالوا بوجوب صلوات خارجة عن الخمس، كالجنازة وركعتي الطواف والعيدين. فما أجابوا به عن إيجاب هذه الصلوات هو جواب الموجبين لتحية المسجد...[ نيل الأوطار (3/78) ] .
قال ابن دقيق العيد على حديث أبي قتادة "ولا شك أن ظاهر الأمر الوجوب وظاهر النهي التحريم، ومن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى دليل" [ إحكام الأحكام (4/468) ] .
قال الصنعاني في حاشيته على شرح ابن دقيق العيد ...أقول "هذا هو الصواب، وإيجابها هو الجاري على مقتضى الأوامر والنواهي" [حاشية الصنعاني (4/466) ] .
وقال الشوكاني " الظاهر ما قاله أهل الظاهر من الوجوب " ...[ نيل الأوطار (3/78) ] .
والحق أن القول بالوجوب قوي؛ لقوة مأخذه؛ ولأن سبب الوجوب هو دخول المسجد، فلا معارضة بين هذا وبين ما يدل على أن ماعدا الصلوات الخمس تطوع، لكن إن قيل: بأن تحية المسجد من السنن المؤكدة ما كان ذلك بعيداً .....
كتبه :
أحمد إسكينيد .
الإمام والخطيب بمكتب الأوقاف
ومشرف منارة خالد بن الوليد لتحفيظ القرآن الكريم .

بارك الله فيك يا أخ أحمد


واللــــــــــــــــــــــه بحث قيم جداً


أرجوامنك التواصل....